الإمام ساموري توري ...
في القرن التاسع عشر الميلادي انقض الصليبيون على قارة أفريقيا طمعًا في خيراتها وثرواتها، فاقتسموها فيما بينهم؛ فاحتلت فرنسا الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا ، بينما احتلت إيطاليا ليبيا، واحتلت انجلترا مصر
وسقطت منطقة نهر النيجر الكبرى تحت وطأة الاحتلال الفرنسي ولكنهم دفعوا ثمنا غاليا لهذا الإحتلال بسبب المقاومة الباسلة من إمام كبير ومجاهد عظيم اسمه ساموري توري
ولد ساموري توري عام 1835م في سانكورو في جمهورية غينيا ، وعندما بلغ 18 عاما أرسله أبوه إلى ساحل العاج ليتعلم تجارة السلاح، ومنها عرف ساموري أماكن الحصول على السلاح.
وفي عام 1852م أُسرت والدته من قبل ملك بيساندوغو الوثنى ، فتصدر الفتى اليافع المشهد وأتفق مع ذلك الملك أن يخدمه لسبع سنوات مقابل الإفراج عن والدته، ومن خلال تلك المرحلة استطاع أن يتعلم طرق الدبلوماسية بالإضافة إلى تدربه على فن قيادة الإغارة والحروب.
بعد ذلك كون ساموري جماعة تولى رآستها بنفسه وأقسم على بناء دولة إسلامية في تلك المنطقة ثم قام بتدريب رجاله على فنون القتال وتم تسليحهم، ومن ثم بدأ نفوذه يمتد.
وفي عام 1874م استطاع أن يحطم كل القوى المنافسة له ، وصار أكبر قائد لإمبراطورية إسلامية عرفها شعب المالينك. وفي عام 1884م لقب بلقب الإمام، وطلب من أهله ورعاياه أن يعتنقوا الإسلام، ومنع الخمر شربًا وبيعًا في مملكته، ومنع العادات الوثنية، وبدأ في إقامة الشريعة الإسلامية وعلى رأسها فريضة الجهاد.
أنشأ ساموري توري جيشًا قويًا نسبيًا قسمه ثلاثة أقسام، أفضلها وأعظمها قوة جعلها قائمة في وجه الفرنسيين ليمنعهم من التدخل في البلاد .. والقسم الثاني جعله لحفظ الأمن في بلاده ، أما القسم الثالث جعله للتوسعات والفتوحات الجديدة للقضاء على الوثنية ونشر الإسلام.
وبلغ من حرصه على جيشه أنه استطاع أن يصنع بعض الأسلحة وقطع الغيار محليًا، وباقي الأسلحة يشتريها من مدينة فريتون بسيراليون. وقد أكثر ساموري توري من بناء المدارس والمساجد، ونشر الوعاظ، واهتم بتحفيظ القرآن الكريم.
وضعت فرنسا نصب عينها مملكة الإمام ساموري توري، فتحالفت مع عدوه تيبا حاكم كندجو !! وكانت دولة ساموري الإسلامية تدعوها فرنسا بالإمبراطورية المتنقلة؛ لأن ساموري كان كلما فقد جزءًا من مملكته عوضه بأجزاء أخرى من الممالك الوثنية المجاورة فكأنه لم يفقد شيئًا وإنما غير حدود مملكته بهذا.
عينت الحكومة الفرنسية قائدا جديدا بعد أن طالت مدة مقاومة ساموري، الذي جرد حملة جديدة للقضاء على الإمام المجاهد لكنها منيت بهزيمة ساحقة من قوات الإمام ساموري وأسر من الجند الفرنسيين عدد كبير.
واصل ساموري القتال ومقاومة الاحتلال حتى قبض عليه غدراً في عام 1898م ونفي إلى جزيرة أوجويه Ougoue وقيل نفي إلى الجابون. وتوفي الإمام المجاهد رحمه الله تعالى في عام 1900 تاركا راية الجهاد لحفيده أحمد سيكوتوري
من مواقفه (تقبله الله)
عندما اختطف الفرنسيون ولده من أجل أن يفتوا في عضده أو يوهنوا عمله للإسلام، قال لمن أراد مساومته من أجل افتداء ولده: "ولدي لا يزيد عن مسلم عادي كهؤلاء الذين تحصدون أرواحهم ودون حياء فإن كنتم تتوهمون أن اعتقاله سينهي الحرب فقد أسأتم التقدير" وواصل جهاده ولم يعبا بهم.
ويئس الفرنسيون من النصر السريع فاحتالوا مرة ثانية على اكتسابه وعمدوا إلى ولده الأسير فاستمالوه بلذائذ النعيم وطرائف الرفاهية وبعثوا به إلى باريس ليرى البهجة والنضارة واللذة والعربدة فينتشي بما زين الشيطان من إثم ويستكين بما أبدع الباطل من خداع، ثم ساوموه على مخالفة أبيه والعمل على إنهاء الحرب ليصبح الوالد ملكا مشمولا بالحماية الأجنبية ثم ليكون هو من بعده ولي العهد وحليف للفرنسيين . ورجع الشاب المغرور متحمساً للخيانة النكراء، وبدأ باستمالة الضعفاء لوجهته، فأدرك الإمام حقيقة ما كان، والتهبت في صدره عاطفة الأبوة ذات الحنان والسماح مع عاطفة الإسلام ذات القمع للباطل والانتقام للحق. فآثر دينه ووطنه ثم حكم على ابنه بالاعدام السريع جزاء خيانته ومروقه وبادر فأوقع به الجزاء على رؤوس الأشهاد في ثقة وإيمان.
بعض المصادر:
الموسوعة العربية العالمية.
UNESCO General History of Africa.
ليست هناك تعليقات :