لو كان لى أن أحكى قصة رجل واحد
لو كان لى أن أحكى قصة رجل واحد _ أى رجل _ ولا أريد لها نهاية .. وأريد لكل الناس، كلهم، أن يعرفوها فستكون هذه القصة ..
منذ 16 عامًا على الأقل _ أواخر التسعينات _ لم يكن أحد يسمع إلا نادرًا عن مصطلح ( مدرسة قرآن ) .. كل ما كان يعرفه أغلب الناس هو التحفيظ الشخصى أو المنزلى، أو الودى بلا نظام محكم ..
حينها، بدا والدى يلقننى القرآن، كنت فى الصف الأول الإعدادى على ما أذكر .. بدأت بسورة يس ثم قصار السور، بلا نظام معين وبلا هدف أيضًا .. مجرد تقليد صالح نشأت عليه البيوت الصالحة لا أكثر ..
بعد شهور قليلة، سمعنا عن شىء لم نفهمه فى حينه، أول مدرسة للقرآن الكريم فى محافظة المنيا، المحافظة كلها بمراكزها التسعة .. تقدم حينها للمدرسة 75 شخصًا .. نصفهم على الأقل أطفال فى أواخر الإبتدائية أو الإعدادية .. وكنت منهم ..
عندما سأل والدى كان الرجل الذى بدأ الفكرة هو دكتور فى جامعة المنيا كلية التربية يدعى " زين محمد شحاتة " .. وتبناها بالرعاية والتنظيم الإدارى والجهد شخص يدعى " أحمد عبد الفتاح " .. طبيب أمراض القلب والباطنة الشهير نسبيًا فى المدينة، والذى أخرج الجيل الأول من معلمى القرآن فى المنيا ..
الرجل كان معروفًا كقارىء أكثر منه كطبيب .. شهير جدًا .. فى شهر رمضان من كل عام كانت شوارع مسجد الشبان المسلمين فى صلاة التراويح منطقة مغلقة تمامًا .. كان يصلى وراءه الآلاف الذين يأتون من كل مكان تقريبًا ومن محافظات أخرى ..
الغريب، أن الدكتور كان من أكثر الناس إطالة فى القراءة .. طريقة قراءته نفسها بطيئة جدًا .. من الممكن أن ينهى سورة كالغاشية فى وقت ينهى فيه قارىء مُجيد " الذاريات " مثلًا ..
بالرغم من ذلك .. ومن حب الناس للرتم السريع فى التراويح .. كانوا لا يملون أبدًا منه، أتذكر للآن أننا كنا نخرج من الصلاة ولا نريدها أن تنتهى .. وأنه لو صلى بنا للفجر لمكثنا وراءه بلا تعب أو ملل ..
دكتور أحمد أخرج للناس الرعيل الأول من معلمى القرآن فى المنيا كلها، تتلمذت تقريبًا على يد 75% من هؤلاء الشيوخ، الرعيل الأول أخرج جيلًا ثانيًا، فثالثًا .. علموا الناس أكثر وأكثر .. حتى وصلوا لآلاف المعلمين ..
حمل الجيل الأول الشعلة، ثم ذهبوا للكويت، وأنشئوا هناك مدارس الأترجة لتعليم القرآن الكريم .. ثم انتشروا أكثر ..
ولأن المدرسة الأولى فى المنيا طبقت الأسس الناجحة لل project management بدقة، فقد انتشرت فى أول خمس سنوات حتى وصلت للقرى والنجوع، شبكة مركزية تابعة للمدرسة الأم .. ثم مدارس أخرى كبيرة ..
ال 75 الذين بدأ بهم المشوار والذين كنت منهم، تحولوا لأعداد تقديرية تعدت ال 150 ألفًا فى كل مكان، ليس لدى رقم دقيق لكن أثق فى أن العدد يفوق ذلك .. مع مئات المدارس ..
الدكتور أحمد الآن أشهر طبيب قلب فى المنيا، وقارئها الأول، وصاحب تأثير الفراشة الذى بدأ كل ذلك .. سيأتى الرجل يوم القيامة وفيه ميزانه حسنات كل من حفظوا من ال 75 وصولًا لكل من سيحفظ فى حياته وبعده _ بعد عمر طويل _ حتى النهاية ..
إن كان هناك فائدة لوصولك لعدد كبير يقرأ لك .. فائدة واحدة فقط، فأحب ما إلى أن أستغلها فى تعريف الناس به .. وشكره على ما فعل وهو لا يطلب جزاءً أو شكورًا ..
هو ومن علمونى على مدار 11 عامًا حتى 2009 .. 20 شيخًا أو يزيد .. لم يكونوا يعرفون أنهم سينالون بعد 16 عامًا ثواب شاب سيجلس فى الفجر فى أحد مساجد إسطنبول ليرتل القرآن كما علموه أن يرتله .. يرتله ويدعو لهم ..
افعل كما فعل هؤلاء، وستترك بصمتك التى تريد فى هذا العالم !
ليست هناك تعليقات :